الأحد، 14 سبتمبر 2014

حكم التمثيل والمشاهد الَّتي تسمى بالإسلامية - العلامة أحمد النجمي


سئل العلامة أحمد النجمي رحمه الله:

فضيلة الشيخ ما حكم التمثيل والمشاهد الَّتي تسمى بالإسلامية؛ خاصة أن من يقوم بِها ممن ظاهره الصلاح والاستقامة، وما الحكم إذا كان من يقوم بالتمثيل يتقمص شخصية يهودي أو نصراني أو غيرها من الديانات غير الإسلام، وجزاكم الله خيرًا؟

ج: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فالتمثيل من أساسه حرام:

أولاً: أنه لا ينبني إلا على الكذب، فالكذب والتزوير سُداه، ولُحمته.

ثانيًا: أن الكذب يتفاوت بسبب ما يحصل فيه من التمويه وقلب الحقائق، والكذب في التمثيل من أعظم الكذب، والله سبحانه قد ذم الكذب وأهله في آيات كثيرة، والنَّبِي  ج قال: (إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذّابً)متفق عليه.

ثالثًا: أنّ من مبانيه التصنع، والتزوير، وهذا أيضًا حرام.

رابعًا: فيه تقمص الشخصية، ولعل المسلم يتقمص شخصية الكافر، ولعل الفاسق أو الكافر يتقمص شخصيةً عظيمةً من أهل الإيْمان، كأن يكون صحابيًّا أو يكون من الدعاة المصلحين فيتقمص شخصيته رجل فاسق أو فاجر، وهذا فيه من الكذب، والاستهتار بمقامات أهل الإيْمان ما فيه.

خامسًا: فيه التصنع؛ وهو أن يتصنع البكاء أو الضحك أو الحزن أو العجب  وهو بذلك كاذب.

سادسًا: أنَّهم يزعمون أنَّهم يعالجون به مشاكل في المجتمع منتشرة، وهذا الزعم باطل من أساسه, بل إن التمثيل يُعلِّم من ينظرون إليه الخداع، والخيانة، فهو لا يعالج هذه الأمور، ولكن ينشرها بين الناس، ويكثِّرها، ويكثِّر أهلها.

سابعًا: أن معالجة الانحرافات لَم يكن بالتمثيل؛ بل قد عالج الإسلام انحرافات الجاهلية بدون تمثيل بل بالعرض السماعي، والله عز وجل  يقول: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ﴾ [التوبة: من الآية6]. ولقد انتشر الإسلام في ربوع الأرض بعرض كتاب الله على السامعين، وبيان الإيْمان وخصاله، والكفر وخلاله، وما جعل الله للمؤمنين في الجنة، وما أعد للكافرين من العذاب المهين، وأنواع النَّكال الذي لا يوصف؛ قال تعالى: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ -15, مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ -16, يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ [ابراهيم:15-17].

 لقد نجحت دعوة الإسلام بنجاح أصحابِها، وما احتاجوا إلى تمثيل، واليوم لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

ثامنًا: أن التمثيل من نتاج أذهان الكفرة الفجرة، ونحن حين نعمل به، ونطبقه؛ نكون قد أخذنا بما أشاعه وعمله أعداؤنا الكفار، فربما أنا نخذل  وينصرون علينا؛ لكوننا قلدناهم فيما نزعم أنه دعوة لديننا، ونصرة له.

وإني أنصح كل من يقومون على مثل هذه الأمور في المدارس والمعاهد والكليات أن يتقوا الله وأن يحذروا من الوقوع تحت هذه الطائلة؛ بأن يقلد أو يأمر بتقليد الكفار، وتقمص شخصياتِهم.

وكذلك أنصح الشباب الذين يؤمرون بتنفيذ التمثيليات والمشاهد, أنصحهم بعدم الموافقة على إنفاذ مثل هذا الأمر؛ لأنه أمر محرم لا يجوز فعله  إذ أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأنت يا أخي الشاب حينما تتقمص شخصية كافرة يهودية أو نصرانية أو ملحدة؛ تكون قد أنست إلى الشخصية الَّتِي قد تقمصتها، وقبلت بأن تمثلها؛ أما تخشى أن يغضب الله عليك ويسلب الإيْمان منك، فتكون مواليًا للكفار، وتكون معهم في قعر النار، والعياذ بالله؛ علمًا بأن الذين يأمرون بمثل هذا؛ قد خانوا الأمانة الَّتِي في أعناقهم، ولَم يؤدوها على الوجه المطلوب؛ لأنَّهم وإن كانوا متأثرين بنصرة الإسلام، ومحبين لها فيما زعموا إلا أنَّهم حين يجعلون الوسيلة تقليد الكفار ربما أن الله يغضب عليهم، فتكون تلك المعالجة سببًا في نصرة الكفار على المسلمين, وإذا كان أصحاب النَّبِي  ج  قد خذلوا، وانتصر عليهم الكفار في تلك الموقعة، وقتل منهم سبعون رجلاً في موقعة أحد بسبب أنَّهم عصوا أمر رسول الله  ج في شيء واحد، وهو قوله لهم: (إن رأيتمونا تخطفنا الطير، فلا تبرحوا مكانكم هذا حتَّى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم، وأوطأناهم، فلا تبرحوا حتَّى أرسل إليكم).

فيا إخوة: أرجو أن تفكروا جيدًا، وتعلموا أن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم هي السبب الوحيد في النصر، وبالله التوفيق.


وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه.


المصدر

الفتاوى الجلية -15 -بتصرف-


الجمعة، 12 سبتمبر 2014

من علامات الزُّهد في الدُّنيا

قال ابن رجب -رحمه الله -:

"أنْ يستوي عندَ العبد حامدُه وذامُّه في الحقِّ ، وهذا من علامات الزُّهد في الدُّنيا ، واحتقارها ، وقلَّةِ الرَّغبة فيها ، فإنَّ من عظُمتِ الدُّنيا عنده أحبَّ المدحَ وكرِهَ الذَّمَّ ، فربما حمله ذلك على تركِ كثيرٍ مِنَ الحق خشيةَ الذَّمِّ ، وعلى فعلِ كثيرٍ مِنَ الباطلِ رجاءَ المدح
 ، فمن استوى عنده حامدُه وذامُّه في الحقِّ ، دلَّ على سُقوط منزلة المخلوقين من قلبه ، وامتلائه مِنْ محبَّة الحقِّ ، وما فيه رضا مولاه ، كما قال ابن مسعود : اليقين أنْ لا تُرضي النَّاسَ بسخط الله . وقد مدح الله الذين يُجاهدون في سبيل الله ،ولا يخافون لومة لائم .

وقد روي عن السَّلف عبارات أخرُ في تفسير الزُّهد في الدُّنيا ، وكلها تَرجِعُ إلى ما تقدَّم ، كقول الحسن : الزاهد الذي إذا رأى أحداً قال : هو أفضل مني ، وهذا يرجع إلى أنَّ الزاهد حقيقةً هو الزَّاهدُ في مدح نفسه وتعظيمها ، ولهذا يقال : الزهد في الرِّياسة أشدُّ منه في الذهب والفضة ، فمن أخرج مِنْ قلبه حبَّ الرياسة في الدُّنيا ، والتَّرفُّع فيها على الناس ، فهو الزاهد حقاً ، وهذا هو الذي يستوي عنده حامدُه وذامُّه في الحقِّ ، وكقول وهيب بن الورد : الزهد في الدُّنيا أنْ لا تأسى على ما فات منها ، ولا تفرح بما آتاك منها ، قال ابن السماك : هذا هو الزاهد المبرز في زهده ...."

جامع العلوم والحكم بشرح خمسين حديثا من جوامع الكلم لابن رجب الحنبلي(31-12)