الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين.
أما بعد:
قال
الإمام المصلح والداعية الناصح محمد بن صالح العثيمين ــ رحمه الله تعالى
ــ كما في "مجموع الفتاوى والرسائل"(7/228-231 قسم العقيدة، وطبعة: دار
الثريا):
وشهادة أن محمداً رسول الله من أكبر مقتضياتها اتباع الرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ ظاهراً وباطناً.
ومن
لا يتبع الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ ولو أخلص لله فإنه لم يحقق
شهادة أن محمداً رسول الله، لم يحققها، ولا يقبل منه حتى مع الإخلاص، يقول
النبي ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ: (( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ )).
وفي لفظ: (( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ )).
إذا
كان كذلك فالإخلاص ليس كل شيء، لابد مع الإخلاص أن ينضم إليه المتابعة،
المتابعة للرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ بحيث لا يجعل الإنسان أحداً
شريكاً مع الرسول عليه الصلاة والسلام في التشريع للخلق، ولو كان من أكبر
أئمة المسلمين، لو كان أبو بكر وعمر فلا يجوز أن نجعله شريكاً مع الرسول
ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ في التشريع، قال ابن عباس ـــ رضي الله عنهما
ــــ: (( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر )).
وقال الله عز وجل: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
قال الإمام أحمد: " أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ".
وهو كذلك، لأنه إذا رد بعض قول الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ فلابد أن يكون عن هوى، وإذا كان عن هوى فالهوى شرك: {
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى
عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ
غِشَاوَةً }.
إذاً
من لم يتبع الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ فإنه لم يحقق شهادة أن
محمداً رسول الله، وعدم اتباع الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ على
نوعين:
أحدهما: أن يقدم قول غيره عليه.
يعلم
هدي الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ، ولكنه يقدم قول غيره عليه، وهذا
يوجد كثيراً في المتعصبين للمذاهب سواء كانت المذاهب مذاهب فقهية علمية أو
مذاهب فكرية اعتقادية، فإن بعض المتعصبين تعرِض عليه هدي الرسول ـــ عليه
الصلاة والسلام ـــ واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار ولكن يقول: قال
فلان كذا، وقال فلان كذا. يقول الإمام أحمد ـــ رحمه الله ـــ مستنكراً: " عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان ".
والله يقول: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
فما بالك بمن يذهبون إلى رأي من دون سفيان، ويدَعون هدي الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ ؟.
إذا قيل لهم هذا هدي الرسولـــ عليه الصلاة والسلام ـــ، قالوا : لكن قال فلان كذا وكذا.
من الذي أرسل إليكم أفلان أم رسول الله محمد؟.
إن
قال: فلان كفر، وأعلن بكفره، وإن قال: محمد، نقول: ما قيمة الرسالة عندك
وأنت تقدم هدي غيره على هديه، إذا كان رسولك محمد صلى الله عليه وسلم
فلتكن متبعاً له متأدباً بين يديه.
أما
النوع الثاني: من المخالفة لهدي الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ فأن
يشرع في دين الله ما ليس فيه، يفعل شيئاً يتقرب به إلى الله، ولكن الرسول
ما شرعه.
فهذا
لم يحقق شهادة أن محمداً رسول الله، لو حقق شهادة أن محمداً رسول الله صلى
الله عليه وسلم ما ذهب يبتدع في دين الله ما ليس منه، لأن ابتداع الإنسان
في دين الله ما ليس منه يتضمن الاستدراك على الله ورسوله، فإن هذا
استدراك على الله متضمن لتكذيب هذه الجملة العظيمة: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }.
أين
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر الذي تدين لله به وتتعبد
لله به؟ أين كان؟ أكان جاهلاً به؟ إن قلت: نعم، فقد رميته بالجهل، أكان
مخالفاً له؟ إن قلت: نعم، فقد رميته بالمخالفة، أكان كاتماً له عن أمته؟
إن قلت: نعم، فقد رميته بالكتمان، فإذا كان الأمر كذلك، وكل اللوازم
باطلة، فإنه يلزم من ذلك أن يقول: كل بدعة يتدين بها الإنسان إلى الله من
عقيدة في القلب أو نطق باللسان أو عمل بالأركان فإنها عقيدة باطلة وصدق
الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ: (( كُلّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ )).
وهذه جملة مسورة بكلمة "كل" التي هي أدل ألفاظ العموم على العموم، ليس فيها تخصيص.
والله
لو وقعت هذه في كتاب واحد من الذين يقلدون لكان كل من أخرج بدعة من هذه
الكلية يقال له: أين الدليل؟ ولكن كلام الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ
المحكم البين الواضح يحرف، ويقال: هذا عام يراد به الخاص، نحن نستحسن أن
نعبد الله بهذا لأن قلوبنا ترق عنده، ولأن هذا ينشطنا، ولكن نقول: والله
لو كان خيراً لشرعه الله لعباده، ترقيق القلب لهذه البدعة يوجب أن يقسو عن
السنة، لأن القلب وعاء، إن ملأته بخير امتلأ به، وإن دخل على هذا الخير
شر فلابد أن يضايق الخير فيخرج، لو كان عندك إناء مملوء بماء ثم صببت عليه
ماء آخر هل يجمع الجميع؟ لابد أن يخرج، فإما سنة، وإما بدعة، ولهذا نقول
لكل من في قلبه إخلاص وحب للدين وحب للرسول ـــ عليه الصلاة والسلام ـــ،
نقول له: جزاك الله خيراً على هذه المحبة، وعلى هذا الإخلاص، ولكن من تمام
الإخلاص أن تعتقد بأنه لا خير للإنسان فيما يتعبد به الله إلا ما جاء في
كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلماذا تطلب الخير في غيرهما؟.
فيما
جاء في كتاب الله، وفيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من العبادات،
كفاية لصلاح القلوب والأبدان والأفراد والجماعات، ولكن أين القلوب التي
تتلقى هذا؟.
مِن
القلوب ما هو كالزجاجة، أي شيء يرد عليه ينكسر، ومِن القلوب ما هو
كالإسفنجة يقبل، ولكنه صامد لا يتجزأ ولا يتكسر إلا أنه يميز الحق من
الباطل، فنقول لمن ابتدع بدعة في دين الله سواء كانت قولاً باللسان أو
عقيدة بالجنان، أو عملاً بالأركان، نقول: كتاب الله موجود وسنة الرسول ـــ
عليه الصلاة والسلام ـــ موجودة مهذبة قد بين صحيحها من سقيمها، وطريق
السلف الصالح موجود والحمد لله فلماذا نبتدع في عقيدتنا؟ لماذا نبتدع
أذكاراً ما أنزل الله بها من سلطان؟.
و كان كل من راق له شيء أو زُيِّن في قلبه شيء مما يتعبد لله به، تعبد الله به أتكون الأمة واحدة؟ أبداً، تتفرق لكن هناك ميزان: {
لَقَدْ أَرْسَلْنَا. رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ
الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ }.
هناك ميزان: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ }.
إن اتفقتم على شيء فهو الحق، { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ }.اه
ـ