الأحد، 20 أكتوبر 2013

لو جعل ظلم السلطان حولاً في كفة كان هرج الناس ساعة أرجح وأعظم

    قال الطرطوشي في سراج الملوك 


 ومثال السلطان القاهر لرعيته ورعية بلا سلطان مثال بيت فيه سراج منير، وحوله قيام من الناس يعالجون صنائعهم، فبينما هم كذلك إذ طفئ السراج فقبضوا أيديهم في الوقت وتعطل جميع ما كانوا فيه، 

فتحرك الحيوان الشرير وتخشخش الهوام الخسيس، فذبت العقرب من مكمنها وفسقت الفأرة من حجرها وخرجت الحية من معدنها، وجاء اللص بحيلته وهاج البرغوث مع حقارته، فتعطلت المنافع واستطالت فيهم المضار.

 كذلك السلطان إذا كان قاهراً لرعيته وكانت المنفعة به عامة، وكانت الدماء به في أهبها محقونة والحرم في خدورهن مصونة، والأسواق عامرة والأموال محروسة، والحيوان الفاضل ظاهر والمرافق حاصلة، والحيوان الشرير من أهل الفسوق والدعارة خامل، فإذا اختل أمر السلطان دخل الفساد على الجميع، ولو جعل ظلم السلطان حولاً في كفة كان هرج الناس ساعة أرجح وأعظم من ظلم السلطان حولاً، وكيف لا وفي زوال السلطان أو ضعف شوكته سوق أهل الشر ومكسب الأجناد، ونفاق أهل العيارة والسوقة واللصوص والمنابهة؟

 قال الفضيل: جور ستين سنة خير من هرج ساعة، فلا يتمنى زوال السلطان إلا جاهل مغرور أو فاسق يتمنى كل محذور، فحقيق على كل رعية أن ترغب إلى الله تعالى في إصلاح السلطان، وأن تبذل له نصحها وتخصه بصالح دعائها، فإن في صلاحه صلاح العباد والبلاد، وفي فساده فساد العباد والبلاد. 

وكان العلماء يقولون: إن استقامت لكم أمور السلطان فأكثر واحمد الله تعالى واشكره، وإن جاءكم منه ما تكرهون وجهوه إلى ما تستوجبونه منه بذنوبكم وتستحقونه بآثامكم، فأقيموا عذر السلطان بانتشار الأمور عليه، وكثرة ما يكابده من ضبط جوانب المملكة واستئلاف الأعداء ورضاء الأولياء، وقلة الناصح وكثرة المدلس والفاضح.

 

سراج الملوك للطرطوشي (ص 97/ الشاملة)

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق