الخميس، 26 سبتمبر 2013

القول المنصف بحكم تبليل الأصابع من أجل قلب أوراق المصحف

القول المنصف بحكم تبليل الأصابع من أجل قلب أوراق المصحف
للشيخ أبو بكر يوسف لعويسي



الحمد رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

 

أما بعد : فهذه مسألة تكلم فيها بعض العلماء أحببت أن أنقلها لأخواني وما فيها من فوائد وهي : تبليل الأصابع من أجل قلب أوراق المصحف :
وهذه المسألة قد لا ينتبه لها كثير من القراء ولا يسألون عنها ولكن أهل العلم طرقوها وبينوا حكمها ولم يهملوها وهي : تبليل السبابة والإبهام من أجل تقليب صفحة المصحف التي يريد الانتقال إليها فماذا قالوا فيها؟ .

قال الحافظ ابن العربي المالكي –رحمه الله -:(1) ".. وقد اعتاد كثير من الناس إذا أرادوا أن يقرءوا في مصحف أو كتاب علم يطرقون البزاق عليهم ويلطخون صفحات الأوراق ليسهل قلبها ، وهذه قذارة كريهة ، وإهانة قبيحة ينبغي للمسلم أن يتركها ديانة ، ولقد رأيت بعض من يعتني بعد ورقات المصحف فيأخذ مع كل تحويلة بزقة ويدهن بها صفحة الورق ليسهل قلبها فإنا لله – على غلبة الجهل المؤدي إلى الكفر –والحمد لله على كل حال " أ.هـ .

قلت : لعل هذا فيه مبالغة منه -رحمه الله - وإلا فريق المؤمن طاهر ، وهو جزء منه كما يمسه بيده ؛فكذلك تبليل أصبعه تبليلا خفيفا بريقه ليس فيه نجاسة ولا أذى وخاصة وهو يقوم بذلك على طرف الصفحة ، ولا يقصد به محو كلام الله ، فلست أدري ما وجه استنكاره الشديد المؤدي إلى الكفر على حد قوله ؟

وقد سئل الشيخ حامد الحامد عن حكم هذا الفعل فأجاب : (2) الذي يليق مع كتاب الله تعالى أن لا يفعل هذا ، وإن كان الريق طاهرا فقد اتبع صاحب الدر المختار قوله السابق (3)

بقوله : وعنه صلى الله عليه وسلم :<< القرآن أحب إلى الله تعالى من السماوات والأرض ومن فيهن >> (4).


وكتب عليه الشيخ ابن عابدين في رد المختار فقال : << ولعله ذكر هذا الحديث للإشارة إلى أن القرآن يلحق باسم الله تعالى في النهي عن محوه بالبزاق >>أهـ  وعليه فالأدب يقتضي التصون عن تقليب أوراق المصحف الشريف بالأصابع المبلولة بالريق من حيث أن غير المكتوب منه تبع للمكتوب.
قلت : ومحو اسم الله ثبت في الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِىٍّ « اكْتُبِ الشَّرْطَ بَيْنَنَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ». فَقَالَ لَهُ الْمُشْرِكُونَ لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ تَابَعْنَاكَ وَلَكِنِ اكْتُبْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. فَأَمَرَ عَلِيًّا أَنْ يَمْحهَا فَقَالَ عَلِىٌّ لاَ وَاللَّهِ لاَ أَمْحَاهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَرِنِي مَكَانَهَا ». فَأَرَاهُ مَكَانَهَا فَمَحَاهَا.(5).

وفي العلل ومعرفة الرجال قال عبد الله بن الإمام أحمد حدثني أبي قال حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم قال: قال مسروق لعلقمة أكتب لي النظائر قال أما علمت أن الكتاب يكره قال إنما أتعلمه ثم أمحاه قال لا بأس.(6).

وعلى هذا ، يقال لا حرج في تبليل الأصابع لتقليب أوراق المصحف إذ لم يأت دليل يمنع من ذلك ، وما قال ابن العربي محض اجتهاد ، وخاصة إذا كان يقصد النهي عن محو ذكر الله فقد علمت ان النبي صلى الله عليه وسلم محاه بيده

وبهذا أفتى سماحة الوالد العلامة الشيخ ابن باز رحمه الله وهذه هي الفتوى:
ما رأيكم فيمن يقول للذي يضع ريقهعلى أصبعه ليقلب صفحات القرآن: هذا سوء أدب مع القرآن؟!


الجواب:لاحرج في ذلك، ترطيب الإصبع لتسهيل قلب الصحائف لا حرج في ذلك، ليس في هذا سوء أدب،وليس في هذا احتقار بل هو مما يعين على رفع الصفحة، ولا يضر المصحف شيء، ليس هذامما يضر المصحف.
والحمد لله رب العالمين .

الهوامش :
1- في كتــابـه عـارضة الأحـوذي : ( 10/240).
2- الأحكام المفيدة للمـسـائل الجديدة لمحمد الحامد (ص54 -56 ).
3- وقوله السـابـق هو :"وقد ورد النهي في محو اسم الله بالبزاق ". الدر المختار (1/178) قلت : وهذا النهي ورد في حديث طويل أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/160 ) من حديث الحسن عن عمران وجابر وأبي هريرة :<< نهى رسول الله صلـى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب : النملة ، والنحلة ، والهدهد ، والصرد ، وأن يمحى اسم الله بالبصاق >> قال أبو نعيم – عقبه - : غريب من حديث الحسن عن عمران وجابر وأبي هريرة ، لم نكتبه إلا من حديث عباد بن كثير .
وهو صحيح من حديث عبد الله ابن عباس دون قوله :" وأن يمحى اسم الله بالبصاق" رواه أبو داود وابن ماجه (3215 ) وابن حبان في صحيحه،انظر الإرواء(2490) . راجع الإرواء ..وصحيح الترغيب والترهيب (2990).
4- الحديث ضعيف.أخرجه محمد بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية (ص102) من طريق عبيد الله بن أبي جعفر عن رجل من شيوخ أهل مصر أنه حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله أنه قال : <<القرآن أحب .. >> فذكره، والحديث ضعيف كما قلت ، لجهالة هذا الشيخ المصري.وعزاه في كنز العمال (1/ 528 ) لابن القيم عن ابن عمرو وذكر القرطبي في التفسير نحوه (1/ 26)ولكن من حديث أنس .
5- صحيح مسلم (5/174)(4731) مصنف ابن أبي شيبة ، (14/435) والنسائي(8576).
6- (ج1/216)( رقم 242)، وهذا إسناد صحيح .


وكتب أبو بكر يوسف لعويسي

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق