الأحد، 25 أغسطس 2013

إذا تـُفُـقِّـهَ لغير الدِّين، وتـُعُلِّمَ لغيرِ العَمَلِ، والتُمسَتِ الدنيا بعملِ الآخرة


 رَوَى الإمامُ عبدُ الرَّازقِ الصنعاني في (مُصنَّفِهِ) مَوْقوفاً عن سُلَيم بنِ قيسٍ الحَنظَلي، قال: خطَبَ عُمرُ بنُ الخطابِ - رضي الله عنه - فقال: ((إنَّ أخوفَ ما أتخَوَّفُ عَليكُم بَعدِي أن يُؤخَذَ الرجلُ منكم البرئُ فَيُـؤْشَـرُ كما يُوشَـرُ الجَزُورُ، ويُشاطُ لحمُهُ كمَا يُشاطُ لحمُهَا، ويُقال: عاصٍ، وليس بعَاصٍ. قال: فقال علىٌّ - رضي الله عنه - وهو تحت المنبر: ومتى ذلك؟ ... يا أميرَ المُؤمنِين! أَوَ بِمَا تشتَدُّ بهِ البليةُ، وتَظهَرُ الحَمِيَّةُ، وتُسبَى الذُّريَّـةُ، وتدقُّهُمُ الفتنُ كمَا تَدُقُّ الرَّحَى ثِفلهَا، وكمَا تَدُقُّ النَّارُ الحَطبَ؟ قال: ومتى ذلكَ يا علىُّ؟ قـال: إذا تـُفُـقِّـهَ لغير الدِّين، وتـُعُلِّمَ لغيرِ العَمَلِ، والتُمسَتِ الدنيا بعملِ الآخرة))
[المصنف لعبد الرازق الصنعاني (ج11 ص360)]


وهذا الحديثُ أخرجَهُ أيضاً الحاكمُ في (المُستدرك) ، من طريق عبد الرازق في (مصنفه)
[المستدرك على الصحيحين (ج4 ص498) (رقم 8392)]

وصحَّـحَـهُ الشيخ الإمامُ في (صحيح الترغيبِ والترهيب)
[صحيح الترغيب والترهيب للشيخ محمد ناصر الألباني (ج1 ص48) حديث رقم (107) - ط. المكتب الإسلامي، بيروت، 1402هـ = 1982م]


صَعِدَ الإمامُ أميرُ المؤمنين عمرُ بنُ الخطَّابِ - رضي الله عنه - المنبرَ فقالَ: ((إنَّ أخوفَ ما أتخوفُ عليكم بُعدي أن يُؤخَـذَ الرجُلُ منكم البرئُ فيُؤشَـرُ كَمَا يُؤشَـرُ الجَزُورُ)) ويُؤشَـرُ، يعني: يُنشر بالمنشارِ أو ما أشبهَ، والجَزُورُ: الناقَةُ المَجزورة. أي: كما يُفعلُ بالناقةِ المَجزورة يُفعل بهِ، ((ويُشاطُ لحمُهُ)) شيَّطَ فُلانٌ اللحم: إذا دخَّنَهُ ولم يُنضِجه، يعني: كأنما يُدَخَّنُ ولا يُنضج. ((ويُقال: عَاصٍ، وليس بعَاصٍ. قال: فقال علىٌّ وهو تحت المنبر: ومتى ذلك يا أمير المؤمنين؟)) ... ثم لم ينتظر منه جواباً، وإنما سَألَ وأجَابَ في وقتٍ واحِدٍ رضوان الله عليه، ((قالَ علىٌّ: أوَ بِمَا تشتدُّ البَليَّةُ، وتظهَرُ الحميَّـةُ، وتُسبَى الذُّريَّـةُ، وتدُقُّهُمُ الفتنُ كمَا تَدقُّ الرَّحَى ثِفْلهَا)) الثِّفَالُ - بالكسر - هو ذلك الجلدُ الذي يُبسَطُ تحتَ رَحَى اليَدِ ليَقِي الطحِينَ من الترابِ، ((فتدقُّهم كمَا تدقُّ الرَّحَى ثِفلَهَا))، تدقُّهم دقَّ الرَّحى إذا كانت مُثَفَّـلَـةً - يعني: تحتها جلدٌ يقِي الطحينَ الترابَ؛ ولا تُثَفَّـلُ - يعني: لا يُوضع تحت رَحَى اليدِ ثِفالٌ؛ أي جلدٌ - إلا عند الطحن، ولذلك يقول - رضي الله عنه -: ((وتدُقَّـهُـم الفتنُ كما تَدقُّ الرَّحَى ثِفلهَا)) تطحنهم طحنا، ((وكمَا تدق النار الحطبَ)) وهو أبلغُ إذ أنها إذا ما اشتعلت في الحطبِ تُفنِيهِ، كما هوَ معلوم، وتحوِّلُـهُ رَمادًا .


((قال: ومتى ذلك يا علىُّ؟)) أي: كُلُّ ما مَرَّ من تلكَ الخُطوبِ والمحن والكروبِ والإحن، وهذهِ الأمُور التي تقعُ في أمَّةِ مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، كُلُّ هذهِ الأمُور مُرتَّبَةٌ على مَا سيأتي ممَّا هُو مجهول، لماذا تظهَرُ هذهِ الأمُورُ كلُّهَا في أمَّةِ الرسًول - صلى الله عليه وسلم -؟ .... ((ومتى ذلكَ يا علىُّ؟)) قال: ((إذا تـُفُقِّـهَ لغير الدين، وتُعُلمَ لغير العمل، والتُمسَتِ الدنيا بعمَل الآخـرة))، أي: إذا تفقَّه الناسُ في دين الله تبارك وتعالى، لا للدين، وإنما للدنيا، وللحظِّ الخسيس، وتعلموا العلمَ لا ليعمَلُوا به، وإنمَا ليرتفعُوا به عَلى رُءوس الخَلقِ، ويُحصِّلُوا بالعلم المناصبَ والأموَال ...


((وتعلموا لغير العمل، والتُمسَتِ الدنيا بعمل الآخرة)) إذا كان ذلكَ: وقعت الفتنُ، ووقعت تلكَ الخُطُوبُ، وتمت تلك الكُروبُ في أمَّةِ الحبيب المحبوب - صلى الله عليه وسلم -.

فانظر مكمن العِلَّةِ، وكيفَ أتى بِهِ أميرُ المُؤمنينَ علىُّ، ولم يُراجعهُ فيه عُمر رضوان الله عليه، وكان على المنبر؛ يعني بمَحضَـرٍ من الأصحَابِ عليهم الرضوان، فهو إجماعٌ منهم؛ إذ لم يُراجعهُ في ذلك أحدٌ رضوان الله عليهم جميعا.
--------------

كتاب: " تمـييز العـلـمــاء مـن المـفـكـرين والخـطـباء" الشيخ محمد سعيد رسلان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق